يمثل موضوع تعلُّم اللغات الأجنبية في الوطن العربي أهمية قصوى لما له من حساسية اتجاه استقبال ما عند الأمم الأخرى من علوم ومعارف
وثقافة العصر. من هذا المنطلق
لا يختلف اثنانِ على أن اللغة الإنجليزية تبسطُ سيطرتها على فسيفساء اللغة في عالم
اليوم، وأستدل على كلامي باستعمالِها الكبير في محرك البحث ''غوغل''.
السبب الوجيه الذي يدفع المستخدمين إلى الإقبال على تعلم واستعمال اللغة
الإنجليزية هو اعتقادهم الراسخ في أنها لغة العلم في زمننا الحاضر؛ فمناهج الطب،
والهندسة، والتقانة والعلوم الحديثة، هي كلها بهذه اللغة الحية، فمبادئ دراساتها وأسسها
وقواعدها أنتجَتْها الأمة الناطقة بها.
لقد تفوَّقت اللغة الإنجليزية على نظيرتها الفرنسية، على الرغم من أن فرنسا لها
تاريخ ثقافي حافل بكتَّاب معروفين؛ كموليير، وهوجو، وموباسان، وغيرهم.
تتقدم اللغة اليابانية والصينية بخطى ثابتة، فرغم صعوبة تعلُّم هاتين اللغتين،
فإن دقةَ وجودة مصنوعات اليابان، جعلت الناس يُقبلون على تعلم هذه اللغة، واكتشاف
نظام حياةِ مجتمع هذا البلد، الذي وصل اقتصاده إلى أعلى درجاته، أما الصين المسماة
بالعملاق النائم، فلم تترك قارَّة إلا ولجتها منتجاتها، ووفدت إليها يدها العاملة،
فأصبحنا نقرأ في بلداننا اللغة الصينية، وهي ملصوقة بمنتجاتها، ما جعل هذه اللغة
تقترب من حاضرتنا أكثر فأكثر، فنفهم ونتعلم طبيعة هذه اللغة.
ليعلم الجميعُ أن اللغة الألمانية في أوروبا تأتي بعد اللغة الفَرنسية من حيث
مستعملوها، ولو بحثت فقط على الشبكة العنكبوتية لوجدتَ أحدث البرامج التعليمية
بهذه اللغة، بأسلوب مُحبَّب إلى النفس، يقترب خاصة من المتعلمين الأطفال الصغار،
فيتعلمونها ويتقنونها ويتعرفون على ثقافة هذه الدولة .
إن اللغات نتاجُ قريحة البشر، واللغات الأجنبية تُعبِّر عن سكان هذه المعمورة،
وكل لغة تحمل خلفيةَ مجتمعٍ؛ من ثقافة وبيئة، وبتعلم اللغة تتكشَّف لنا جميع هذه
التفاصيل، فنستفيد مما عند غيرنا من الإيجابيات، فوطننا العربي بحاجة ماسَّة إلى تشجيع
تعلم اللغات الأجنبية، دون الانتقاص من دور لغتنا العربية بالطبع.
لكن تعلم اللغات الأجنبية يفرضُه علينا الواقعُ بتحدياته، والسبق في المجالات
العلمية لغيرنا، فإن لم نتعلَّم لغاتهم، فسيصعب علينا دون شك استخلاصُ المعلومة وأخذها من مصدرها الأصيل.
الترجمة لها دورٌ في نقل المعارف الأجنبية، إنما هذا الدور لن يكفي أبدًا،
فهناك مصطلحات من الصعب جدًّا تعريبها ونقلها بمحمولها الدلالي كما هو، بل يجب
العودة إلى المنبع الأصيل للغة.
تعلم اللغات الأجنبية والإقبال عليها من معالمِ المجتمعات المتحضرة الناهضة؛
فهذا يدل على وعي المجتمع، وإدراكه ضرورة الأخذ من خبرات الغَير، ويكون ذلك بتشجيع
فتحِ المدارس الخاصة، وتكوين أساتذة وكوادر ذوي مستوى عالٍ، ووضع برامج تدريسية
متطورة؛ فيسهل هضم اللغة، وممارستها، والقراءة والاطلاع بها على ما كتبه الآخرون
من مؤلَّفات علمية مهمة بالنسبة إلينا.
اللغة بصورة عامة تعبرُ عن الفكر، واللغة الأجنبية تعبر عن ثقافة الآخر وقِيَمه،
والنظام الحياتي الذي جعله يصل إلى أرقى المراتب علميًّا وحضاريًّا وثقافيًّا،
وهذا ما نحن في أمسِّ الحاجة إليه؛ حتى تزدهر العلوم في بلداننا، فتُحدَّث
المنظومات التعليمية، بما يواكب العصر وتحدياته.